ثم نوجه هذا السؤال إلى فضيلة الشيخ فنقول: حسب علمنا لا يجوز أن يعتبر الجمهور بكثرة العدد في الشؤون العلمية والمذاهب الفقهية والعقيدة الإبراهيمية المحمدية، وإنما ينبغي أن ينظر إلى الكيف أولا، وبعد أن نميز العلماء على الحقيقة لا على الإدعاء والألقاب ننظر بعد ذلك إلى مذاهبهم في مسألة ما، فإذا وجدنا كثرتهم ذهبوا مذهبا، وقليلاً منهم ذهب مذهبا آخر قلنا عن مذهب الكثرة: إنه مذهب الجمهور، أي جمهور العلماء الذين يستحقون أن يوصفوا بالعلم، أما مجرد الكثرة فتسميتهم بالجمهور فيه شئ من المغالطة والتغرير بالناس، أرأيت في زمن الإمام أحمد لما تبنى المأمون فكرة القول بخلق القرآن وسقط في تلك الفتنة آلاف العلماء بين مقتنع ومداهن، ووقف بالمقابل عدد قليل من العلماء قد لا يبلغ عددهم أصابع اليد على رأسهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، أيجوز أن يقال عن مذهب المأمون وشلته مذهب الجمهور، ومذهب هؤلاء القلة مذهب شاذ يخالف لجمهور المسلمين؟..
وواقع الأمر في مسألتنا هذه هو أنه عبر بكلمة (الجمهور) عمن هبّ ودب من عالم مبتدع وجاهل متعلم، وصار مذهب فطاحل العلماء وأئمة الهدى - أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية - مذهبا شاذا مخالفا للجمهور.
وصدق من قال:"لا تفتر بالباطل لكثرة الهالكين ولا تزهد بالحق لقلة السالكين".
(ابن تيمية في زمنه هو الجمهور حتى ولو كان وحده خاصة في موضوعات العقيدة) ..
ونقول لفضيلة الشيخ: نحن نعتقد أن ابن تيمية ومن وافقه في زمنه هو الجمهور، خصوصا في أمور العقيدة؛ لالتزامهم بالسنة الصحيحة مهما كلفهم الأمر، ومن خالفه فهو صاحب المذهب الشاذ وحتى ولو وافقه أكثر الناس؛ لأن الحق بالبرهان والدليل لا بكرة الآخذين به وقلة المتنكرين له.