ولا ريب أن المملوك وقف على ما سئل عنه الإمام العلامة وحيد دهره وفريد عصره تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية، وما أجاب به فوجدته خلاصة ما قاله العلماء في هذا الباب حسب ما اقتضاه الحال من نقله الصحيح، وما أدى إليه البحث من الإلزام والالتزام لا يداخله تحامل ولا يعتريه تجاهل، وليس فيه - والعياذ بالله - ما يقتضي الإزراء والتنقيص بمنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهل يجوز أن يتصور متصور أن زيارة قبره تزيد في قدره؟.. وهل تركها مما ينقص من تعظيمه؟ حاشا للرسول من ذلك..
إلى أن قال:
مع أن المفهوم من كلام العلماء وأنظار العقلاء أن الزيارة ليست عبادة وطاعة لمجردها، حتى لو حلف أنه يأتي بعبادة أو طاعة لم يبر بها - يعني القيام بزيارة القبر الشريف - ما اعتبر بارا بيمينه.
لكن القاضي ابن كج - من متأخري أصحابنا - ذكر أن نذر هذه الزيارة عنده قربة تلتزم ناذرها.
وهو منفرد به لا يساعده في ذلك نقل صريح ولا قياس صحيح، والذي يقتضيه مطلق الخبر النبوي في قوله - عليه السلام -: "لا تشد الرحال"إلى آخره.. أنه لا يجوز شد الرحال إلى غير ما ذكر؛ فإن فعله كان مخالفا لصريح النهي، ومخالفة النهي إما كفر أو غيره على قدر المنهي عنه ووجوبه وتحريمه وصفة النهي، والزيارة أخص من وجه؛ فالزيارة بغير شد الرحال غير منهي عنها ومع الشد منهي عنها.