أيها الأخ المسلم: ما أروع أن ترى المسلمين صفوفا متراصة, منتظمة متحدة في حركتها وسكونها, في ركوعها وسجودها, تأتم بإمام واحد, يسبق إلى فعل الأركان, فيتبعه جميع المؤتمين به, وهكذا تراهم يركعون بركوعه, ويسجدون بسجوده, ويستمعون لقراءته, ويؤمنون على دعائه, ولا ينتهون من صلاتهم إلا بانتهائه, وما هذا كله إلا الوحدة والنظام, واتباع الأمر, وحسن الإقتداء في رغبة وحب, لا في إكراه وبغض. ولو استعرضت جميع الشرائع الوضعية الموجودة, مهما كان نظامها, ومهما كان وضعها, لا تراها تخلق في الجماعة هذا النظام المحكم, ولا هذه الطاعة التي تنبع من القلب, فكانت كما قدمنا حبا ورغبة, لا كراهية وبغضا. وهكذا لو استعرضت جميع العبادات من صيام وزكاة وحج, وما إلى ذلك من تبيان الحلال والحرام في كل شيء, لبان لك أن تشريع الله ما بني إلا على أساس المصلحة, التي تحقق السعادة الجامعة الشاملة للفرد والمجموع. هذا التشريع السماوي ذو الحكمة العالية السامية صالح لكل جماعة, في كل مكان, وفي كل زمان, ومهما تغيرت الأيام, واختلفت السنون, بأحداثها ومسائلها, فإن هذا التشريع لا يتغير بتغيرها, ولا يتبدل بتبدلها, بل هو صالح لها على جميع أوضاعها, ضامن لكل أهل زمان السعادة إذا ما عملوا بأحكامه, واستمسكوا بآدابه, وهاهم أولاء المسلمون الأولون, استطاعوا بإيمانهم واستمساكهم بدينهم أن يملكوا العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ,استطاعوا أن يهزوا عروش الأكاسرة والقياصرة, ويجلسوا على عرش الدنيا ملوكا حكاما, وأئمة أعلاما, وقد حقق الله لهم وعده في قرآنه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ