ومع ذلك فقد سمعنا من متحدثي بعض الإذاعات من يجهله عن تبين الحقيقة في هذا الحديث الشريف؛ فإذا هو يحرف الكلم عن موضعه؛ فيقرأ قوله صلى الله عليه وسلم:"عدوله" - وهو جمع عدل.. أي الدقة الضابط الصدوق - يقرؤه (عَدوُّ له) من العداوة، فيجعل حملة هذا الدين هم (أعداءه) لا (عُدُوله) .. تم يمضي في منحدره هذا مفسرا الحديث على النحو الذي يتفق مع زلته.. فما زال يتخبط حتى استوفي دقائقه المقررة في لغو لا مفهوم له..
هذا المحدث يحمل مؤهلا من أقدم جامعة في العالم الإسلامي، وكان من قبل أحد المفتين، وإن يكن ذلك منصبا تشريفيا لا يُشترط له العلم في بلده، وقد امتحنه الله بالوزارة، فلأحاديثه صفة التقارير الرسمية التي لا تقبل الرد.. ولعله بدافع من هذه الحصانة يرى من حقه أن ينطلق على هواه؛ فيقول في حديث رسول الله ما يحضره من قول، دون ما حاجة إلى روية أو تأمل.. وقد نسى أن المفسر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعدو كونه مفتيا يؤدي شهادته بأن ذلك هو مراده صلوات الله وسلامه عليه، وأن الغالط في تلاوة ما يروى عنه يعتبر واحد من الكاذبين عليه، الذين أنذرهم بمقعدهم من النار؛ لأنهم استراحوا إلى الكسل، فلم يكلفوا أنفسهم جهدا التيقن من الواقع، ولم يرجعوا إلى أهل الذكر في الاستيثاق من سلامة اللفظ وصحة المضمون، وهم على ذلك قادرون، لكنهم استهانوا بواجب العلم، ولم يفطنوا إلى أنهم عن الله ورسوله يتحدثون.
والغريب في أمر هذا المتحدث أنه قرأ كلمة (خلف) من الحديث على وجهها الصحيح، ثم لم ينتبه إلى التضاد المعنوي القائم بينها وبين لفظ (عدو) ؛ لأن الخلف - بفتح اللام - لا يكون إلا في معرض الخير، فلا تكون منه العداوة، وإنما تأتي العداوة من (الخلف) بسكون اللام، الذي لا يكون إلا في الشر، ومن ذلك قوله تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ..}(١٩/٥٩) .