أفترى في هذا دلالة على جواز الغناء والضرب على الأوتار التي تدعو إليها؟ وكيف تستدل به؟ وليس فيه بغيتك، ولا يمكنك أن تقضي منه نهمتك، وهو خاص للنساء فيما بينهن وفي يوم عرس لا مزمار فيه ولا عود ولا آلة من الآلات الشيطانية، ولم يحدث فيه من اختلاط الرجال بالنساء كما يشاهد في زماننا.
اعلم أنك لم تزدنا بذكر يزيد بن معاوية واهتمامه بالغناء والمغنين إلا توكيدا لما قاله فيه العلماء من الفسق والدعارة.
وأشنع من ذلك ما ادعيته على أهل المدينة وأنهم كانوا يخرجون- جميعاً - إلى وادي العقيق؛ ليستمعوا الغناء من المغنيين في عهد لم يزل فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعمرون مساجد الله ومعهم من التابعين أمثال محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية) ، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار وغيرهم ممن يشار إليهم بالتقي والزهد والورع، وجعلت من المغنيين طبقة مميزة ولاشك في ذلك، ولكن بغير ما تظنه وتهواه، وإنما بالفسق والفجور، كما أجاب عليه علم من أعلام المدينة وهو الإمام مالك رحمه الله؛ فقد سئل عن المغنيين، فقال:(أولئك الفساق) . وهم الذين ذكرتهم (كطويس) الذي كان يتغنى بالأشعار لإثارة الفتن بين الأوس والخزرج، و (معبد) الذي يتغزل بالنساء وحسنهن ويرجو الوصال منهن، و (ابن عائشة) الذي لم يعرف أبوه، والذي فسد بمحادثته ومجالسته فتيان من المدينة و (ابن أبي السرح) الذي يقول:
ويجدر بنا ونحن في مقام التذكير أن نشير إلى بعض أدلة العلماء في تحريم الغناء إشارة وجيزة وإلمامة لطيفة تغنى عن الإطالة والاسهاب: