للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأشراطها جزء منها؛ فالقاعدة أن ما يدل على الشيء داخل فيه، فإرهاصات الأنبياء جزء من نبوتهم، ورؤياهم المنامية نوع من الوحي، بل عند المباغتة بالساعة سيكون لها أمر دنيوي هائل يراه الناس، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وليس في الآخرة مرضعة ترضع ولا حامل تضع؛ إذا فلا يجوز الجمع بين الساعة والقيامة في معنى واحد، حيث لا يجتمعان معا في الدنيا ولا في الآخرة، وبذلك أحطنا بأمر علمي آخر.

بقيت الساعة ومن يؤمنون بها، حيث لا تتناول المحاضرة موضوع المكذبين بها، فسيكفيهم الله، ولأنه لا يستقيم تعمير بيت الغير، وسقف بيتي يخر على رأسي، فالمؤمنون بالساعة يعلمون أنها الرجفة التي ترجف الأرض والجبال قبل أن تتبعها الرادفة وهى القيامة كما قلنا، فرجفة الساعة ستجعل أعز ما في الدنيا يذهل عنه {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} : تنكره فلا تعرفه؛ ولم يعد ولدها الحبيب، وقمة حب الأم لولدها وهو رضيع، لكن وقتها نزعت ثديها من فمه وهي ترضه، فلم تدعه يتم ووضعته، وهل يكون الأمر غير ذلك، وقد رأت الأرض أخرجت أثقالها لما زلزلت زلزالها؟ إننا نسمع الآن كل يوم عن زلزال لم يمكث غير ثوان خرب آلاف المباني وشرد ملايين الناس، ولا عظة لما في القلوب من غلظة، وهل يكون غير أن تذهل عن رضيعها، وقد رأت نفسها مع الأرض رجت رجا، ورأت الجبال الشوامخ هباء منبثا؟ وهل يكون غير ذلك وقد رأت البحار فجرت فاختلط حلوها بملحها؟ ثم رأت هذه البحار قد سجرت فصارت كلها نارا وعهدها بالماء يطفئ النار؛ فمن الذي حول الماء إلى نار،؟ وغير ذلك من هول يأتي بخبل لها وللسكارى، وما هم بسكارى ولكن أمر الساعة مفزع رهيب.