وهو روح الإسلام الذي يشع فيه الكينونة والوجود, وقلبه الذي ينبض بالحيات والحركة, والدفع والتدفق, وعقله الذي تلألأت به شهب المنى, ودرت أثداء الأمل.
وهو الجامعة الإسلامية العالمية, التي ترسمت معالم الإخاء, وشعت بقواعد المساواة, وخفقت بأعلام الحق, وعلائم الكمال.
والمعنى الذي يفهم من لفظ (القرآن) كبير جدا, لا يدانيه معنى في القوة والتأثير, وإنّ المؤمن الذي يتلوه لتنثال على خاطره منه دلالات وطيوف, تملا النفس خشوعا وروعة وجلالا.
وفي كلمة القرآن معنى الجامعة, التي احتوت على جميع العناصر الصلاحية, لكل الأزمنة, والأمكنة, والبيئات, والمجتمعات والعصور.
والقرآن الكريم: وعي, ووحي, وإشعاع, وكتاب تربية, وبرهان قاطع, وآية ساطعة, وتشريع روحي, وقانون واف, وسياسة أخاذة, ونظام دولي, وإصلاح اجتماعي, ومجمع علمي, ودائرة معارف يرجع إليها أهل الفكر, ويعتمد عليها أرباب النظر.
والقرآن فوق هذا وذاك: القاعدة الروحية التي تنطلق منها الإمدادات الإلهية, والفيوضات السماوية. وإذا كان الإنسان ذلك الكائن الحي لا وجود له ولا حياة بغير الروح والقلب والعقل, فإن المسلمين لا كيان لهم ولا حياة بغير القرآن, فهو لهم الروح والعقل والقلب, وهولهم: الضياء والشفاء والغذاء والجرس الذي لا ينتهي له مدى, ولا ينضب له معين. تنشده الأمة فتجد فيه مبتغاها من التشريعات الفردية, والعلائق الأسرية, والمعاملات الاقتصادية, والاجتماعية, والحربية, والقوانين المدنية, والأنظمة الدولية, وبعبارة أدق وأوجز: تجد فيه الأمة كل ما تحتاج إليه في حياتها العامة والخاصة, والدين والدنيا.
نادى الناس بنداءات إلهية, أججت العواطف, وحركت العقول من ركدتها, وبعثت في النفوس ثورة رائعة, كان لها المدى البعيد في تحويل مجرى الإنسانية.