ولقد وعى التاريخ عن الثورية في القرآن ما لم يعه لأي حدث آخر في هذا الكون, سواء في معارك التهذيب النفسي, حينما وجد الناس يسودهم الهوى, ويسوسهم الجهل, فأصبحوا بهديه مثالا يحتذى.
أو في معارك السلام يوم تدفقت سيول العرب من منابعها, وخاض جنود الحق بفتحاتهم أرجاء الدنيا. وما أصدق رسول الله إذ يقول في حديث يرويه الترمذي: "كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم, وخبر ما بعدكم, هو الفصل ليس بالهزل, من تركه من جبار قصمه الله, ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله, وهو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم, هو الذي لا تزيغ به الأهواء, ولا تلتبس به الألسنة, ولا يشبع منه العلماء, ولا يخلق على كثرة الرد, ولا تنقضي عجائبه, هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد, من قال به صدق, ومن عمل به أجر, ومن حكم به عدل, ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم".
وما أبلغ ما قاله الدكتور موريس الفرنسي في وصف القرآن "إنه بمثابة ندوة علمية للعلماء, ومعجم اللغة للغويين, ومعلم النحو لمن أراد تقويم لسانه, وكتاب عروض لمحب الشعر, وتهذيب العواطف, ودائرة معارف للشرائع والقوانين" [١] .