للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد شاعت في عصر الصابة صحيفة خطيرة الشأن أمر النبي عليه السلام نفسه بكتابتها في السنة الأولى للهجرة، فكانت أشبه (بدستور) للدولة الفتية الناشئة آنذاك في المدينة، وهي الصحيفة التي دون فيها كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوق المهاجرين والأنصار واليهود، ولفظ الكتابة صريح في مطلعها: "هذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس" [٣٢] . وقد تكررت فيها عبارة أهل هذه الصحيفة وغير ذلك من الصحف.

عصر الخلفاء الراشدين:

سار الأمر على ما تقدم، حتى إذا كان عهد الخلفاء الراشدين لم يتغير الحال، فقد كانت آراء هؤلاء الخلفاء في التشدد في الرواية والتورع عن الكتابة امتدادا لآراء إخوانهم الصحابة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم! فهذا أبو بكر يجمع بعض الأحاديث ثم يحرقها، يقول الذهبي بسنده: حدثني القاسم بن محمد قالت عائشة: جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت خمسمائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت فغمني فقلت: أتتقلب بشكوى أو لشيء يقلقك؟ فلما أصبح قال: أي بنية! هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعا بنار فحرقها، فقلت: لِم أحرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت، ولم يكن كما حدثني؛ فأكون قد نقلت ذاك فهذا لا يصح". اهـ[٣٣] .

وكان أبو بكر أول من احتاط في قبول الأخبار؛ فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذويب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال:"ما أجد لك في كتاب الله شيئا، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله عليه السلام يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر.