للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي (الصحيفة الصادقة) التي كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتملت على ألف حديث، كما يقول ابن الأثير [٢٧] ، ومحتواها محفوظ في مسند أحمد بن حنبل [٢٨] ، حتى ليصح أن نصفها بأنها أصدق وثيقة تاريخية تثبت كتابة الحديث على عهده صلوات الله عليه، وهذه الوثيقة كانت نتيجة محتومة لفتوى النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وإرشاده الحكيم له؛ فقد جاء عبد الله يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الكتابة قائلا: أكتب كل ما أسمع؟ قال: "نعم"، قال: في الرضا والغضب؟ قال: "نعم؛ فإني لا أقول في ذلك إلا حقا".

وسأذكر الحديث فيما بعد، والذي يظهر لي أنه لا بد أن يكون عبد الله بن عمرو قد أخذ في كتابة الحديث بعد هذه الفتوى الصريحة من الرسول الكريم، وتلك الصحيفة الصادقة كانت ثمرة هذه الفتوى، وآية اشتغال عبد الله بن عمرو بكتابة هذه الصحيفة وسواها من الصحف أيضا قول أبي هريرة الصحابي الجليل: "ما في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب" [٢٩] .

وقد أتيح لمجاهد بن جبر (١٠٣هـ) أن يرى هذه الصحيفة عند صاحبها عبد الله بن عمرو [٣٠] ، وكان عبد الله بن عمرو - لشدة حرصه على هذه الصحيفة - لا يسمح لأعزّ الناس عليه بتناولها، ورؤية مجاهد لها لم تكن إلا عرضا؛ فإنه قال: "أتيت عبد الله بن عمرو؛ فتناولت صحيفة تحت مفرشه فمنعني، قلت: ما كنت تمنعني شيئا! قال: هذه الصحيفة الصادقة، فيها ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، إذا سلمت هذه وكتاب الله والوهط فلا أبالي علام كانت عليه الدنيا! والوهط أرض كان يزرعها" [٣١] .