والخلاصة أن هذه الأصول أصول عظيمة، وقواعد أساسية لهذا الدين العظيم تجب مراعاتها والاستقامة عليها في جميع الأحوال، والبراءة من كل ما خالفها، ومن أتى بقول أو عمل يوجب كفره فهو دليل على عدم إيمانه بهذه الأصول أو بعضها الإيمان الصحيح، وذلك مثل ترك الصلاة المكتوبة؛ فإن الذي لا يصلي لا إيمان عنده - على الصحيح - يحجزه عن ترك الصلاة التي هي عمود الإسلام؛ ولهذا فإن القول الصواب إنه كافر كفرا أكبر. وكالذي يستهزئ بالله، أو بالجنة، أو بالقرآن، وما أشبه ذلك؛ فإنه كافر إجماعا؛ لأن هذا الاستهزاء والتنقص دليل على أن دعواه الإيمان باطلة، وأنه ليس عنده إيمان يحجزه عن الاستهزاء بالله ورسوله.
وهكذا الذي يهين المصحف، أو يلطخه بالنجاسة، أو يجلس عليه، وهو يعلم أن المصحف كتاب الله؛ هذا دليل على أن هذا الرجل لا إيمان له، وإنما يدعى الإيمان، ولو كان عنده إيمان صحيح لحجزه عن هذا العمل الذي يوجب كفره.
وهكذا من استهزأ بالرسل، أو كذب بعضهم يكون عمله دليلا على أن إيمانه ليس بصحيح، بل هو دعوى.
وعلى هذا يقاس بقية الأمور التي تقع من الناس، ومن ذلك قوم مسيلمة لما صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وصلوا وصاموا، ولكنهم ادّعوا أن مسيلمة شريك في الرسالة صاروا عند أهل العلم والإيمان من الصحابة ومن بعدهم كفارا لا نزاع بين أهل العلم في ذلك، ولو صلوا وصاموا وقالوا إن محمدا رسول الله؛ لأنهم لما قالوا إن مسيلمة شريك في الرسالة؛ كفى هذا في كفرهم؛ لأنهم بهذا قد كذبوا قول الله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ، كما كذبوا الأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين والمرسلين.