فالله هو الذي خلق عالمنا كله؛ فسواه تسوية تامة كاملة لا عوج فيها ولا اضطراب ولا نقص ولا زيادة، بل كل شيء فيه في وضعه الصحيح، يؤدي الغرض الذي من أجله خلق؛ فهو {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} : أي قدر لكل حي ما يصلحه مدة بقائه، وهداه وعرفه وجه الانتفاع بما فيه من منفعة له، {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} أي أنبت النبات جميعه، وما من نبت ينبت إلاّ وهو يصلح أن يكون مرعى لحيوان ما، ثم بعد ذلك أنبت النبات {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} ، والغثاء: هو الهشيم أو الهالك البالي، والأحوى: الذي يميل لونه إلى لون السواد [٤] .
{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى..} مثال على كمال الخلق والتسوية والهداية، والغثاء الأحوى إنما هو الفناء والإماتة وإزالة الحياة فكيف ذلك؟.. وهنا نقف وقفة قصيرة مع العلم الحديث لننظر ماذا قال هنا:
{فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} أي جعله بعد خضرته يابساً أسود.
وهل هناك نبات إذا جف صار يابسا أسود؟ لا يوجد فيما نعلم نبات هكذا؟
إذن فكيف أخرج الله تبارك وتعالى المرعى ثم جعله يابساً أسود، كيف ومتى.. ألا ينطبق هذا كل الانطباق على الفحم الحجري الذي تكوّن معظمه في حقب الحياة القديمة حينما ظهر النبات غير المزهر والسرخسيات بكثرة عظيمة، ثم تراكمت فوقها في بعض الجهات رواسب أخرى فتحولت إلى فحم حجري مع طول الزمن وارتفاع الضعط والحرارة؟!.. نعم، وهذا هو الغثاء الأحوى الذي تكلم عنه القرآن الكريم، وعلله فأصاب وأوجز؛ قال وأصاب في وقت كانت فيه مثل هذه الحقائق غريبة على عقول البشر، قال هذا فسبق العلم بقرون عديدة، أفليس هذا إعجازا؟.. بلى والله إنه نعم الإعجاز [٥] .