ونعلم أن أوّل النبات كانت الأعشاب والمراعي، وما من نبات إلا وهو صالح لخلق من خلق الله؛ فهي هنا أشمل مما نعهده من مرعى أنعامنا؛ فالله خلق هذه الأرض وقدّر فيها أقواتها لكل حي يدب فوق ظهرها، أو يختبئ في جوفها، أو يطير في جوها.
والمرعى يخرج في أول أمره خضرا، ثم يذوى فإذا هو غثاء، أميل إلى السواد فهو أحوى، وهو في كل حالاته صالح لأمر من أمور هذه الحياة بتقدير الذي خلق فسوّى وقد ر فهدى..
ثم يوقفنا التوجيه القرآني على أمسّ الأشياء إلى الإنسان، وهو طعامه وطعام أنعامه، وما وراء ذلك من تدبير الله وتقديره له:{فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً، وَعِنَباً وَقَضْباً [٦] ، وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْباً [٧] ، وَفَاكِهَةً وَأَبّاً [٨] ، مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[٩] .
جاء في الكشاف (والحبّ: كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما، والقضب: الرطبة، والمقضاب أرضه، وسمى بمصدر قضبه إذا قطعه؛ لأنه يقضب مرة بعد مرة، {وَحَدَائِقَ غُلْباً} يحتمل أن يجعل كل حديقة غلباء فيزيد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها، كما تقول: حديقة ضخمة، وأن يجعل شجرها غلبا: أي عظاما غلاظا، والأب: المرعى؛ لأنه يؤب، أي: يؤم وينتجع، والأب والأم أخوان [١٠] .
فالآيات السابقة بيان لقدرة الله وعظمته في الإبانة عن منشأ النبات وتعدده، والارتباط الوثيق بين الحيوان والنبات؛ فالكائن الحي لا يتغذى إلا من أصله الذي تكون منه، ولذا أمر الإنسان أن يتدبر قصة طعامه، الذي هو ألصق شئ به، وسيجد أنه من الطين والماء.
إن الله صبّ الماء من السماء صبّا، ثم شق الأرض بجذر النبات، شقّه شقّا فأنبت فيها حبّا وعنبا وقضبا.