للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج أحمد في سنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون " فالحديث دعوة إلى الإكثار من ذكر الله إكثاراً يجعل من يراه يظن أن به مساً من الجنون لما يرى عليه من تحريك الشفتين واضطراب البدن من الخوف من الله تعالى.

وصاحب هذا الظن هو المنصرف عن ذكر الله المنشغل بمعاصيه المستهزئ بالطائعين الذاكرين الله كثيراً، وفي الحديث- جواز الجهر بالذكر وقد وردت بعض النصوص ترغب في الإسرار به ويجيب الإمام الشوكاني على ذلك فيقول:"وقد وردت أحاديث تقتضي الإسرار بالذكر، وأحادث تؤدي الجهر به والجمع بينهما أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فقد يكون الجهر أفضل من إذا أمن الرياء، وكان في الجهر تذكير للغافلين وتنشيط لهم إلى الإقتداء به، وقد يكون الإسرار أفضل إذا كان الأمر بخلاف ذلك " [١٧] .

الذكر ضرورة لا مفر منها:

لو أن أحداً عفي عن الذكر لكان زكريا عليه السلام أولى الناس بهذا حين اعتقل لسانه عن الكلام وحبس عن النطق وذلك أنه لما بُشِّر بالغلام طلب من الله تعالى علامة يعرف بها حيل امرأته حتى يتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر: {قَالَ آيَتُكَ أَلاَ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [١٨] . فكان يعجز عن تكليم الناس وليس به آفة تمنعه منه إنما هي آية من آيات الله الباهرات فكان كلامه وخطابه لقومه إشارة باليد أو إيماءة بالرأس أو كتابة على الأرض، مع هذا قيل له: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً} .