ومن وراء ذلك حكمة بالغة وسرّ نفيس كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر حبس لسانه إلا عن الذكر حتى يخلص لشكر تلك النعمة الكبرى والمنة العظمى وهي رزقه الولد على وهنٍ منه وعقم من زوجه وكِبرَ سِنٍّ منهما معاً فقد ناهزا المائة عام وهكذا جاء الجواب مشتقاً من السؤال ومنتزعاً منه، وهو أوقع في النفس وأدخل في باب الحسن، ذكره الزمخشري في كشافه.
ولو أن جماعة أعفيت عن الذكر لكان أولى الناس بهذا المقاتلون في سبيل الله تعالى حين تقوم الحرب بينهم وبين عدوهم على قدم وساق. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فرغم انشغالهم بمجالدة العدو أمروا بالذكر، لأن به اطمئنان القلوب وتثبيت الإقدام واستدفاع كيد العدو، واستجلاب نصر الله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما:"لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إلا جعل لها أجلاً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه ولم يعْذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله فقال اذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم وبالليل والنهار في البر والبحر في السفر والحضر في الغنى والفقر في الصحة والسقم في السر والعلانية في الحرب والسلم وعلى كل حال.
الذكر في جماعة:
أخرج مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه سلم، قال:"لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده " وأخرج الترمذي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة قال: "حلق الذكر ".