إن الحديث عن وفاء محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها طويل لا يقوم به الإيجاز بالغاً ما بلغ وحسبنا من أمثلته بعض الحوادث يقول عبد الله بن أبي الحماء:"بايعت محمداً ووعدته أن آتيه فنسيت فذكرته بعد ثلاثة أيام فإذا هو في مكانه ولما رآني لم يزد على أن قال:"لقد شققتَ علي، أنا هنا منذ ثلاثة أيام أنتظر.."هذا وفاؤه في الجاهلية أما في الإسلام فلنذكر من أمثلته الكثيرة موقفه يوم الحديبية من أبي جندل بن سهيل بن عمرو، فقد جاء يرسف في قيود المشركين طالباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحماية.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد اتفق مع سهيل أبيه أن يسلم إلى قريش من لجأ إليه من المسلمين دون إذن وليه، فرد أبا جندل وفاء بعهده الذي لم يكن قد كتب بعد.
وفتح مكة نفسه إنما حدث بسبب وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لحلفائه من خزاعة، ذلك لأن قريشاً نقضت عهدها اعتدت على خزاعة فجاء كبيرها سالم الخزاعي يطالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهد، فلم يتردد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلبث إلا ريثما جمع جنوده وزحف على مكة ففتحها الله عليه.
ولا عجب في ذلك فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما يطبق بذلك أمر الله الذي يقول كتابه الحكيم {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} .
تواضعه وسماحته:
كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس تواضعاً، وأكثرهم لطفاً وسماحة وبعداً عن التكليف يعامل بذلك أبعد الناس وأقربهم على السواء.
زار رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل أحد الصحابة ذات يوم فسلم فرد صاحبه رداً خفياً. وحين لم يسمع رد الرجل عاد من حيث أتى فأتبعه الرجل قائلاً: يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً لتكثر علينا من السلام فانصرف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم..