وعن تلوينه أسلوب دعوته نقول: إن نوحاً عليه السلام لم يدخر وسعاً، ولم يدخر يأل جهداً في سبيل إبلاغ دعوته، ونشرها بين قومه، حتى ملوا ذلك منه، وضجروا له فكانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا ما يقول لهم، وما يدعوهم إليه من عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة ما سواه، ويستغشون ثيابهم فيغطون بها رؤوسهم حتى لا يروه ولا ينظروا إليه من شدة كراهيتهم له وبغضهم إياه.
ولم يمنعه ذلك من مواصلة دعوته فيهم متذرعا ً بكل الوسائل الممكنة، فلم يترك بابا ً لإبلاغ دعوته إلا طرقه، ولا سبيلا ً إلا سلكها وكان لحكمته في دعوته يراعي حال مدعويه، فيسر القول إلى بعضهم، ويجهر به إلى بعض آخر بحسب ما تتطلبه حال الأشخاص المدعوين، إذ من الناس من يكون ذا أنفة وحسية وكبر لا يرضى أن يجهر له بالقول، أو يدعي إلى الحق والخير، أو التوبة وا لإ ستغفار علانية بين الناس، ومنهم السهل الطبع اللين العريكة، الذي لا يشمئز من دعوته جهراً، ولا ينقبض أو يغضب إذا دعي إلى الحق والخير بين الناس.