كما تكون درساً نافعا ً لكفار قريش، ولكل مشركي العرب، إذ يتعلمون من خلالها بطلان الشرك الذي هم عليه، وأحقية التوحيد الذي يدعون إليه.
ففي قوله: يا قوم اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إنما تعبدون من دون الله أوثانا ً وتخلقون إفكا ً. إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون، وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
في هذا القول الكريم من مظاهر العلم والحكمة وسلامة التوجيه، وحسن الدعوة ما لا يقادر قدره، الأ مر الذي يجعل إبراهيم أحد نماذج الدعاة الصالحين، الذين يؤتسى بهم ويقتدى باتباعهم.
وإن أمعنا النظر وأعملنا الفكر في هذه الكلمات التي ألقاها إبراهيم في قومه دعوة لهم إلى الحق، وإرشادا ً لهم إلى سبيله تجلت لنا ينابيع الحكمة، وعناصر العلم الغزير الواسع وأساليب البيان الفتان.
إن في قوله:{يا ق َ وم} بدل (أيها المشركون) من استمالة قلوب القوم، واستهواء نفوسهم ما يجعلهم لا ينفرون من سماع دعوته، والتأمل فيها، لأن القومي عادة لا يريد ما يضرهم أو يسئ إليهم ولكن يريد لهم ما ينفعهم ويرفعهم.
وفي قوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ} تقرير منه بالإيمان بوجود الله تعالى، ونفي للتعطيل الذي هو مذهب الملاحدة الدهريين، لأن أمرهم بطاعة الله تعالى مستلزم للإيمان به عز وجل.
وفي قوله:{واتقوه} بعد أمرهم بعبادة الله تعالى نه ى لهم عن الشرك في عبادته سبحانه وتعالى لأن التقوى لله تعالى مستلزمة لعدم قطع عبادته ولإفراده تعالى بها، وعدم إشراك غيره فيها، فيكون قوله هذا كقوله الله تعالى في القرآن الكريم من سورة النساء {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} .