وقوله له:{سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} . بعد غضب والده عليه وتهديده له بعذاب الرجم بالقول أو الفعل ومطالبته بالبعد عنه وهجرته له دهرا ً طويلا ً. إذ قال له:{أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} . أقول إن قوله له سلام عليك سأستغفر لك ربي، لقول من أسد الأقوال لا يقوله إلا من أوتي رباطه الجأش، ورحمة القلب، وهما من ضروريات الداعي الناجح، ولذا كان الخليل إمام الدعوة وقدوتهم في الحياة.
وبعد هذا العرض والسماع لدعوة إبراهيم لأبيه وأقرب الناس إليه نستعرض دعوة إبراهيم وهو يوجهها إلى قومه وأهل بلده لنقف ع لى مظاهر كماله في دعوته العامة بعد الخاصة. ولنطلب ذلك من سورة العنكبوت إذ جاء فيها قول الله تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} .
ففئ هذه الجمل الكلامية التي وجهها إبراهيم عليه السلام إلى قومه الوثن ي ين، وحكاها عنه القرآن الكريم، لتكون حافزاً كبراً للمنزل عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على إبلاغ دعوته إلى قومه، وثباته عليها، ائتساء بإبراهيم إمام الموحدين واقتداء به في مجال الدعوة والبلاغ المبين.