وفي قوله:{إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ} برهنة منه عليه السلام على بطلان عبادة تلك الأوثان، لأنها لا تملك لعابديها رزقا ً، والإله يعبد ويتوسل إليه بالطاعة وشتى القرب ليهب الرزق والخير والبركة والعافية، فإن كان لا يملك ذلك فهو لا يهبه، ولذا فلا حق في عبادته وطاعته وهكذا قرر إبراهيم بطلان آلهة قومه بهذا المنطق من الكلام، لحكمته وعليه السلام.
وفي قوله:{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} بناء لصرح التوحيد على أساس بطلان الشرك وتهاويه، فإن الآلهة التي لا تملك الرزق يجب أن ترفض عبادتها، وأن يتجه المفتقرون إلى الرزق إلى الذي يملكه ويعطيه فليعبدوه ليهبهم الرزق، وليشكروا له ذلك ليحفظه عليهم ويزيدهم منه، فإن شكر النعم يحفظ العبد ويستوجب المزيد.
وفي قوله:{إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تذكير لهم بالمعاد والحياة الآخرة، ليربي في نفوسهم ملكة التقوى لله تعالى ويحي في قلوبهم عقيدة البعث والجزاء التي قد تكون الوثنية أتت عليها وأماتتها في نفوسهم.
وفي قوله:{وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} إعلان منه عليه السلام أنه يتكلم من مركز القوة وأنه ليس براغب ولا راهب فهو يقول قولته، وتنفذ دعوته فإن استجابوا وآمنوا ووعدوا واستقاموا نجوا من العذاب وفازوا بالنعيم، وإن كذبوا فليس ذلك بضائرة شيئا ً، فقد كذب الذين من قبلهم رسلهم كهود وصالح، ونوح من قبل، وما ضر ذلك رسل الله في شيء بل أنجاهم الله وأهلك المكذبين وليس هناك ما يخافه الدعاة إلى الله تعالى من عدم استجابة الأقوام لهم إذ ما عليهم إلا البلاغ المبين وقد بلغوا وبينوا.