وأراد اللعين بهذا الجواب أن يرمي برجاله في الخصومة ليتحملوا معه عبء المعركة فقال:{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} .فأثار بذلك غضبهم وأجج النار حميتهم، بعد أن أظهر نفسه في مظهر المترفع في مستوى لا يصل إليه أحد فيرسل إليه أو يخاطبه بغير إجلاله وإكباره. وعرف موسى هذا فرد عليهم بقوله الأول الذي أزعجهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} . فأعلمهم أن الذي أرسله هو رب كل شيء وليس ورب آبائهم الأولين فقط، ولوح لهم بأن هذه الحقيقة يدركها كل من يعقل، إذ كل الكون حادث مفتقر إلى محدث له، فرب العالمين ورب السماوات والأرض وما بينهما أي خالق ذلك ومالكه والمدبر له هو الذي أرسل موسى وهارون إلى فرعون وملئه برسالة الحق.
وأدرك فرعون قوة الحجة التي أدلى بها موسى، وأنها لا تقاوم بحال فلاذ العين بالتهديد والوعيد حفاظا ً على موقفه المنهار، وإبقاء على سلطانه الذي أخذ يتداعى تحت ضربات الحق الموسوية فقال في صفاقة وعدم حياء لئن اتخذت إلها ً غيري لأجعلنك من المسجونين. ظانا ً أن موسى سيخيفه التهديد والوعيد فيتخلى عن حجاجه قبل أن يفضحه ويهزمه. وعرف موسى هذا فأبى إلا أن يضطره إلى الحوار ليجلله بالخزي والعار فقال له: أولو جئتك بشيء مبين؟ فقال اللعين مضطرا ً إلى ترك الإ نسحاب من الميدان:{فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .