هذا عن علم موسى الواسع، ومعارفه الكبيرة أما عن تواضعه في طلب العلم فحدث لا حرج إذ لولا تواضعه عليه السلام عند الطلب لما حاز قصب السبق في باب العلم، إذ العلم لا يناله إلا المتواضعون في طلبه والحصول عليه ويشهد لهذا قول مجاهد رحمه الله تعالى لا يتعلم العلم مستح ولا متكبر ويشهد لتواضع موسى عليه السلام في طلب العلم حادثتان جليلتان. الأولى إقامته مع شعيب عليه السلام عشر سنين، إن ظاهر القضية يبدوا أن موسى ما أقام لدى شعيب يرعى غنمه إلا لعفة نفسه وإشباع بطنه: ولكن القضية في باطنها: إنها إقامة طلب علم وتربية روحية تخرج بعد هـ اموسى أهلا ً لحمل رسالة الحق والخير، فإن العيش في كنف عبد صالح يوجه ويرشده ويعلم ويحلم لأ كبر مدرسة يتعلم فيها المتعلمون ويتخرج فيها المتخرجون. إن رضا موسى برعي غنم شعيب ليعيش بجواره ويتلقى العلم منه لضرب من ضروب التواضع في طلب العلم. هذه الأولى والثانية أنه لما قام خطيبا ً في بني إسرائيل وأعجب به أحد الشباب فسأله قائلا ً: أتعلم أحدا ً أعلم منك يا موسى؟ فقال: لا، وأوحى الله تعالى إليه قوله: بلى، عبدنا خضر. طلب الرحلة إليه وسأل ربه السبيل إلى لقيه. فجعل الله تعالى له آية له تدله عليه، وترشده إلى مكان لقيه. وفعلا ً رحل موسى في طلب عبد الله ووليه خضر ووجده، ومن خلال ما دار بينهما من حديث تتجلى لنا حقيقة تواضع موسى في طلبه العلم، إذا قال له موسى عليه السلام وهو نبي ورسول وقائد أمة وإ مامها:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} ؟ فمن سؤاله هذا وهو سؤال تلطف كبير، تظهر حقيقة تواضع موسى في طلب العلم. وإجابة خضر قائلا ً: َ {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} . لأني على علم مما علمني الله، وأنت على علم مما علمك الله، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ً، أجاب موسى في تواضع تام: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً