ووجه الإ ئتساء في هذا الضرب من الكمال الروحي هو أن يعمل الداعي الناشئ على تزكية نفسه وتطهير روحه بفعل ما يزك ي النفس ويطهرها من الإيمان والعمل الصالح. وبإبعادها عن كل ما يدنسها ويلوثها من الشرك والمعاصي مستعينا ً في ذلك بالله تعالى ثم بمجالسة الصالحين من عباد الله المؤمنين، إذ طهارة روح- الداعي ضرورية للتأثير على نفوس المدعوين إلى الله تعالى وحملهم على طاعته والإنابة إليه والتوكل عليه.
زهده عليه السلام:
وعن زهد عيسى عبد الله ورسوله نقول: إذا كان هو احتقار الدنيا وعدم الرغبة في حطامها، والتقليل من متاعها إلا بقدر البلاغ، والعزوف عما يتكالب عليه أبناء الدنيا من جمع المال وا لإ نغماس في الملاذ والشهوات الجثمانية البهيمية، مع الرغبة الملحة فيما عند الله تعالى، والسعي الحثيث المتواصل إلى ذلك باليقين والعبادة والتوكل. إذا كان هذا هو الزهد المطلوب للكمال البشري والمتعين لأن يكون وصفا ً لازما ً لدعاة الحق والخير من كمال البشر وسادات الناس، فان المسيح عيسى بن مريم عليه السلام كان مضرب المثل في هذا الباب، بحيث لم يزهد زهده أحد ممن سبقه أو تأخر عنه باستثناء خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. وها هي ذي آثار مروية في زهد المسيح عليه السلام في الدنيا نوردها شواهد حق على زهده عليه السلام، ونماذج كمال ل لإ قتداء به عليه السلام فيها، وموعظة وذكرى للذاكرين ومن هذه الآثار ما رو ي أنه قال للحواريين:" يا معشر الحواريين ارضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة الدنيا ". وصاغ هذا المعنى أحد الحكماء في بيتين من الشعر فقال: