الثاني: أنه عليه السلام لما انتهت إليه البشرية تطلب إليه أن يشفع لها عند الله عز وجل ليفصل بها في عرصات القيامة وقد طال بها الموقف، واشتد بها الحال، وغضب الرب عز وجل غضبا ً لم يغضب قبله ولا بعده مثله، فلم يذكر عيسى عليه السلام عند اعتذاره لها ذنبا ً، كما ذكر ذلك آدم، ونوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام وعلى نبينا الصلاة والسلام أثبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة في صحيح مسلم. وبهذا علم أن عيسى عليه السلام كان من أطهر الناس روحا ً وأزكاهم نفسا ً، وأكثرهم زهدا ً وأقواهم يقينا ً، وسنذكو شواهد لذلك فيها يلي.
الثالث: أن الله تعالى أيده بروح القدس يسدده ويعينه ويدفع عنه فكان جبريل عليه السلام لا يكاد يفارقه فترة حياته كلها حتى رفعه الله تعالى إليه. فمصاحبة جبريل عليه السلام له في أغلب أحواله من شأنها أن تزيد في صفاء روحه عليه السلام وزكاة نفسه لما في ذلك من البركة والعصمة، إذ ما زالت مجالسة الصالحين والحياة معهم حصنا ً منيعا ً للع ب د لا يقربه معه شيطان ولا يغشى فيه إثما ً أو قطيعة.
ويشهد لهذه الحقيقة وهي أن مجالسة الصالحين من الملائكة ومن الناس من شأنها أن تزيد في طهارة الروح وزكاة النفس ما ثبت عن النبي صلى الله عليه كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام - وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرضه عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن. فإذا لقيه عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة.