لو حدثك إنسان عن الشجاعة طيلة اليوم لما استطاع أن يعطيك الصورة الحقيقية لها كما يعطينا إياها هذا الحديث, فليست الشجاعة جعجعة فارغة, وكلاما أجوفا, وخطبا رنانة؟ , وإنما عمل فعال, ونزال يكون صاحبه أقرب ما يكون إلى العدو, حتى يحتمي به الأبطال, كعلي بن أبي طالب, هذه صورته صلى الله عليه وسلم في الجهاد في ساح الوغى وصورته في الوقوف أمام قومه, يخالفهم يشتم آلهتهم, لا تخفى على أحد, وأنها من أكبر صور الشجاعة الحقة.
وكذلك في (الكَرَمِ) تحدثنا السيرة عن كرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان أكرم الناس, وكان أجود بالخير من الريح المرسلة, ويأتي الوصف الدقيق لكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك عندما أعطى غنماً بين جبلين, فعاد الرجل إلى قومه ليقول: "يا قوم أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر".
هذا الوصف الدقيق المعبر عن الكرم الحقيقي, والدافع الصحيح له, فالمانع للعبد من الإنفاق, والحافز له على البخل, ما هو إلا خشية الفقر, وخوفه من مستقبل حياته, أو مستقبل أهله وأولاده, فيأتي وصف كرمه صلى الله عليه وسلم بأنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر, معتمدا بذلك على خزائن الرحمن, فيعطي بذلك المثل الأعلى للكرام المثل الذي احتذاه الصحابة, فقدم أبو بكر ماله, وعمر نصفه, وعثمان جهز جيش العسرة, وكانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة, وينسون أنفسهم عند الإنفاق, فلا يبقى معهم ما يشترون به ما يطعمون, كما فعلت عائشة رضي الله عنهم أجمعين.
وقل مثل هذا في الوفاء بالعهد, وذلك بعد صلح الحديبية, عندما جاء أبو جندل يرسف في قيده فيرده رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم, وذلك لأن الصلح ابتنى على رد كل مسلم يأتيه.
وكذلك في عبوديته لله عز وجل حينما يترك الأمر للناقة عند دخول المدينة المنورة, ويقول لأصحابه: "دعوها فإنها مأمورة".