{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} : أي بين التبذير والإسراف المحرمين وبين الشح والبخل المذمومين سبيل وسط وهو الاعتدال والاقتصاد في إنفاق الأموال والتصرف فيها. فهذا هو القانون القرآني لإنفاق المال والتصرف فيه من أخذ به نجا، وسعد، ومن أعرض عنه هلك وشقي ولا يلومن إلا نفسه.
والسؤال الآن هو: ما مدى فهم المسلمين لهذا القانون المالي وأخذهم به؟
والجواب أما المسلمون الأولون فقد فهموه حق فهمه، وعملوا به وآية ذلك ما بلغوا إليه من مستوى حضاري لم يصل إليه غيرهم في دنيا الناس يومئذ. ويدل على فهمهم له وأخذهم به سؤال عبد الملك الخليفة الأموي ابنته فاطمة وقد زوجها من ابن أخيه عمر بن عبد العزيز حين زارها وقال لها:"كيف معيشتكم "؟ فقالت:"الحسنة بين سيئتين ": تعني بالحسنة الاعتدال في النفقة، وبالسيئتين الإسراف والتقتير الذي هو التضييق في النفقة.
وأما المسلمون اليوم فقد جهلوا كل شيء حتى أنفسهم فأنى لهم أن يفهموا مثل هذا القانون القرآني المالي كما عجزوا عن الأخذ بأي قانون من قوانين الإصلاح في الحياة، وذلك لأنهم ماتوا موتاً معنوياً، والميت لا يسمع ولا يبصر، ولا يقبل ولا يدبر. فاللهم يا محيي الأموات أحيهم، ويا مجيب الدعوات أجب دعواتنا فيهم. فارددهم إلى الإسلام، وأعزهم به، وكمّلهم عليه فأنك على كل شيء قدير.