وعليه فليس حب المال واكتسابه والحصول عليه هو المشكل في حياة الناس وإنما هو إنفاق المال والمحافظة عليه، إذ من الناس من يطغى على نفسه حب المال فيركب أفدح الخصال وأقبح الوسائل لجمعه والمحافظة عليه كبيع عرضه ودينه، أو منعه والشح به حتى يمنع كل حق ماليّ عليه والعياذ بالله تعالى، ومن الناس من يجهل قيمة المال فلا يقدره قدره فيبذره حتى ينفقه في أخبث الأشياء، ويسرف فيه حتى يخرجه من يده ولو كان مال قارون كما يقولون. ولا سبيل إلى قانون ضابط يعصم المال وصاحبه من الفساد إلا ما وضعته هذه الآيات الثلاث التي ذكرنا؛ إذ الأولى تقرر مبدأ احترام المال واعتباره عصب الحياة وقوامها فتحرم إطلاق يد السفهاء فيه حتى لا يضيع ويتلف. والثانية تقرر مبدأ الاقتصاد في النفقة فتنهى صاحب المال عن البخل به، والشح في إنفاقه حيث تتعيّن النفقة ويجب البذل والعطاء، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وهذا اللفظ كناية عن منتهى الشح والبخل فاليد المربوطة بالعنق لا يمكنها أن تنفق. كما تنهاه عن الإسراف والتبذير وهما الإنفاق لغير حاجة ضرورية، أو في المعصية ولا تبسطها كل البسط، وهذا اللفظ كناية عن الإسراف المالي، والتبذير في النفقة المشروعة وغير المشروعة، فاليد المبسوطة كل البسط لا تمسك شيئاً فلا يبقى بها دينار ولا درهم. وتعلل للحال الأولى {ِفَتَقْعُدَ مَلُوما} إذ الذي يمنع إنفاق المال حيث يجب أن ينفق يلومه الناس، لأنه منعهم حقوقهم، وحال دون بقاء حياتهم كريمة صالحة، وللثانية {مَحْسُوراً} والمحسور هو المنقطع عن مواصلة السير كلاً وتعباً.
فالذي يبدد ماله ويخرجه من يده عن مواصلة حياته إذ قوامها المال وقد بدده وأفسده فيقعد حينئذ عن الحياة عنه، وهذا هو الموت المعنوي القائد إلى الموت الحسي.
والثالثة: وتقرر مبدأ الاعتدال في الإنفاق فتحرم الإسراف، والتقتير معاً.