وذلك أن غاية ما يصيب الإنسان، إن أعرض عن الطبيب، ولم يحيى قلبه بما فيها من الوحي الإلهي، كتاباً وسنة، فتعتريه الأسقام والآفات التي لا برء منها، ويموت قلبه ولا يرجى بعده الحياة، وتنضب ينابيع السعادة، وتغشاه أمواج غامرة متلاطمة من الشقاء والتعاسة، ويغادره اليقين، ولا تعود الحياة والسعادة إليه إلا بالعودة إلى نور الوحي والاستضاءة بنوره، والله المستعان.
السنة صنو القرآن
ويتضح مما تقدم، أن ملخص معنى السنة، ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ... وأن السنة من الوحي الإلهي:{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[١١] . كما يدل على ذلك من السنة قوله عليه الصلاة والسلام:" ألا، وإني أوتيت القرآن، ومثله معه "[١٢] . فالسنة إذاً صنو القرآن، وهي وحي مثله، وملازمة له، ولا تكاد تفارقه، ولا يكاد القرآن يُفهم كما يجب أن يفهم، إلا بالرجوع إلى السنة في كثير من آياته، ولا سيما آيات الأحكام.
معنى الوحي
الوحي: هو الإعلام الخفي والسريع، ولذلك يطلقون على الرموز والإشارات الخفية أنها من الوحي، عند أهل اللغة! ومنه الإلهام: "وهو إلقاء المعاني الخاصة في النفس؛ والوحي إلى غير الأنبياء من هذا القبيل، كالوحي إلى النحل:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}[١٣] ، وأما في لسان الشرع: إعلام الله لأنبيائه بطريق خفية أخبار السماء، وما يريد أن يبلغه من التعليمات والتوجيهات والتشريع، بحيث يحصل لديهم علم، قطعي، لا يتطرق إليه أدنى شك، بأن ذلك من عند الله سبحانه، فيكون مصدر الوحي: هو الله وحده، فلا وحي إلا من الله؛ ومورد الوحي هم الأنبياء، فلا يكون الموحى إليه إلا نبياً، وهكذا يتضح أن المعنى الشرعي أخص من المعنى اللغوي كما ترى.