السنة النبوية بعد ثبوتها وصحتها، تتمتع عند المسلمين، قديماً وحديثاً، بما يتمتع به القرآن الكريم من حيث وجوب العمل بها، والرجوع إليها عند التنازع، وترك الرأي من أجلها، فلنستمع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا المعنى: إذ أخرج البيهقي بسنده عن عمر رضي الله عنه قوله وهو على المنبر:"يا أيها الناس: إن الرأي إنما كان من رسول الله مصيباً، لأن الله تعالى كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف ". لهذا نرى عمر رجاعاً في كل ما يبلغه حديث رسول الله في حادثة ما، ونازلة علمية جديدة، لا علم له فيها بسنة ثابتة، وإذا ثبتت السنة بادر، دون أدنى توقف، إلى العمل بالسنة والرجوع إليها ومن شواهد ما ذكرنا ما يرويه ابن المسيب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يقول:"الدية للعاقلة – ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى أخبره الضحاك بن سفيان: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كتب إليه أن يورث امرأة أُشيْم الضبابي، فرجع إليه عمر "أخرجه أبو داود [٣٥] .
ومنها ما أخرجه البيهقي عن طاووس، أن عمر قال:"أذكر الله امرءاً سمع عن النبي عليه الصلاة والسلام في الجنين شيئاً؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال:"كنت بين جاريتين لي – يعني ضرتين – فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنيناً ميتاً، فقضى فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام بغرة "، فقال عمر: لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا، إن كدنا نقضي فيه برأينا ". يقول الإمام الشافعي وهو يعلق على هذه الأخبار، وموقف عمر من السنة: قد رجع عمر عما كان يقضي فيه، لحديث الضحاك بن سفيان، فخالف حكم نفسه، وقال في الجنين، إنه لولم يسمع هذه السنّة، لقضى فيه لغيرها، وقال:"إن كدنا نقضي فيه برأينا ".