فقال لهم:"دعوني فخاطري مشغول بأمر غريب "، فقالوا له:"ما هو "؟ ، قال:"بلغني أن في دجلة سفينةً عظيمةً مملوءةً بأصناف الأمتعة العجيبة، وهي ذاهبةٌ وراجعةٌ من غير أن يحركها أو يقوم عليها أحد"فقالوا له:"أمجنون أنت "؟ قال:"وما ذاك "؟ قالوا:"إن هذا لا يصدقه عاقل "، فقال لهم:"فكيف صدَّقَتْ عقولهم أن هذا العالم بما فيه من الأنواع والأصناف والحوادث العجيبة،وهذا الفلك الدوار السيّار يجري، وتحدث هذه الحوادث بغير مُحْدِث، وتتحرك هذه المتحركات بغير محرك "؟ فبهت الذين كفروا.
ثانياً
: إذا نظرنا إلى فروع العلم كافة وجدنا أنها تثبت أن هناك نظاماً معجزاً يسود هذا الكون، أساسه السنن الكونية الثابتة التي لا تتغير لا تتبدل، والذي يعمل العلماء جاحدين على كشفها والإحاطة بها، وبلغت كشوفهم من الدقة قدراً يمكن من النتبؤ بالكسوف والخسوف، وغيرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنين.
فمن الذي سنّ هذه السنن، وأودعها كل ذرة من ذرات الوجود؟ بل في كل ما هو دون الذرة؟ عند نشأتها الأولى؟ ومن الذي خلق كل ذلك النظام والتوافق والإنسجام؟ من الذي صور فأبدع؟ وقدر فأحسن التقدير؟ لا يمكن أن يكون هذا الكون نتيجة الصدفة أبداً.
إن هذا الإبداع الرائع يدل على أن لهذا الكون بداية، ومن ثم فلابد له من مبدأ يكون من صفاته: الأزلية والأبدية، والعلم المحيط، التدبير، والإدارة، والقدرة، والرحمة، وكل صفات الكمال. أبعد هذا يزعم أولئك الجاحدون أن هذا الكون قد وجه نتيجة الصدفة؟ إن هذا الزعم لا شك ساقط، ونوضح أدلة تسقطه فيما يلي: