أقبل على طلابك كما يقبل الصباح، يحمل النشاط والحياة والنور، فيقبلوا عليك مستيقظين واعين، ويسيروا معك على الطريق شوطا بعيدا، دون أن يدركهم فتور، أو يغشاهم النعاس، يسألون فتجيب، وتسأل فيجيبون، وتكون من وراء ذلك حركة ذهنية دائبة، لكم فيها غنم كبير ومنافع.
لا تقبل عليهم كما يقبل الليل، ثقيل الوطأة، بطيء الخطا، تمشي كأنما رجلاك شدتا بالسلاسل، يقرؤون في وجهك الخذلان والفتور والتكلف، وتكلمهم بلسان عاثر، وفكر مشرَّد، غير آبه لما يجري من حولك، فيعقد الطلاب الندوات الصغيرة في فصلك على غير موعد، ويتخذون القرارات وأنت لا تدري، ويقع فريق منهم في نوم عميق يحملون فيه أن قد مرضت، وأخذت إجازة طويلة للأمد.
كن جريئا واسع الصدر، وتقبل أسئلة الطلاب العلمية، ومناقشاتهم في موضوع البحث، بنفس راضية، وقلب مطمئن، وإذا رأيت في غمرة الحوار والنقاش رأيا من الآراء على الصواب، ولكنه مخالف لرأيك، فلا تسفهه، ولا تحاول التقليل من شأنه، غرورا منك، وتفردا بالصواب، قابل ذلك بالاعتراف والثناء والتشجيع، ولا يغلبنك على نفسك الهوى.
لست معصوما من الخطأ، فلا يعظمن على نفسك الرجوع إلى حق إذا نبهك أحد إليه، أو تبين لك الأمر فيما بعد، ولا حاجة إلى أن يحمر وجهك من خجل، أو يصفر من خوف، أو تضطرب ساقك من تحتك، وطن النفس على هذا منذ يومك الأول، فإنه لا بد ملاقيك.
لا يحملنك خلاف الرأي بينك وبين طلابك، ونقاشهم لك على الحقد والثأر، إنهم طلاب علم، قد يوسوس لك الشيطان أن أحدا منهم يريد أن تزل بك القدم، فلا تستجيب إلى تلك الوساوس، وظن بهم خيرا، وكن لهم رائد علم، لا قائد كتيبة.
لا ترفع بينك وبين طلابك جدارا من الكبرياء والتعاظم، لتحول بينهم وبين أن يسألوك عن غامض المسائل، كن أخا لهم، ودعهم يشعرون بهده الأخوة، فلا يتجافون عن سؤال، ولا يمسكهم الحياء عن المناقشة.