إني لأسأل أحدهم أولاً: هل أنت حي أو ميت؟ فإن أجاب جدلاً بأنه ميت، فقد أراحنا الله منه بموته، وإنك لا تسمع الموتى.
وإن أجاب بأنه حي؟ فإنني لأسأله ثانياً: ما علامة حياتك؟ أليست الروح التي تحيا بها هي تسري في بدنك جميعه فتملأه حياة وحركة؟ فسوف يجيب لا شك بالإثبات.
ومن ثم فسوف أسأله ثالثاً: أنت لا شك مؤمن بأن الروح تملأ جسدك، ولكن هل ترى تلك الروح وتحسها وتشاهدها بعينيك؟ إن كنت تراها، فما شكلها؟ وما لونها وما كيفها؟ إنه سيعجز عن أن يجيب – فأسأله رابعاً: إذا كنت تؤمن بالروح وهي أمر مغيب عنك يستحيل أن تراها؟ وتحس بآثارها وأنت لا تشاهدها محسة ملموسة، فكيف لا تؤمن بخالق الروح، وخالقك، وخالق هذا الكون كله، بحجة أنه مغيب عنك؟ لا تشاهده ولا تحسه؟
ثامناً: كذلك أسوق دليلاً آخر لهؤلاء الجاحدين هو في أنفسهم:
فأسأل أحدهم أولاً: هل أنت عاقل أو مجنون؟ فإن أجاب جدلاً بأنه مجنون، فقد أراحنا الله منه، ولا مجال لنا لأن نضيع أوقاتنا مع المجانين.
وإن أجاب بأنه عاقل، فإنني لأسأله ثانياً: ما علامة أنك عاقل؟ هل ترى عقلك؟ وهل تحسه وتشاهده بعينك؟ وإن كنت تراه فما شكله؟ وما لونه؟ وما كيفه؟ إنه سيعجز حتماً عن أن يجيب. فأسأله ثالثاً: إذا كنت تؤمن بأن فيك عقلاً – مغيباً عنك – تدرك به وتميز، يستحيل أن تراه؟ وتحس بآثاره وأنت لا تشاهده محساً ملموساً؟ فكيف لا تؤمن بخالق عقلك؟ وخالقك؟ وخالق هذا الكون كله؟ بحجة أنه مغيب عنك؟ لا تشاهده ولا تحسه – إن أولئك الجاحدين الذين يمارون في الخلاق العظيم لفي شقاق بعيد.
أيها الجاحدون- عسى الله أن يكون قد شرح صدوركم للإيمان بتلك الأدلة العقلية- وما سقت إلا بعضاً من كثير – فآمنتم بالخالق سبحانه – ومن ثم أسوق إليكم بعضاً من الأدلة النقلية التي تؤكد إثبات خالقكم وخالق هذا الكون- عسى الله أن يربط بها على قلوبكم، ويهديكم بها سواء السبيل.