ولقد يظن بعض الذين يعرفون الرجل أن له ولدا باسم (جميل) . والحق أنه لم يلد قط، ولم يفكر أن يعرف ما إذا كان السبب في هذا العقم هو أو زوجته وإنما هو اسم أبيه كني به منذ الطفولة على عادة بلده, تيمنا بأن يكون له في قابل الأيام ولد يحي له اسم ذلك الوالد. وقد مر به زمن جاش به شوقه إلى الولد، فراح يطوف بزوجته مقابر الأولياء ومقامات الصالحين حاملا إليها النذور النفسية رجاء أن تعطف عليه فتتوسط بحاجته لدى الله!.. ولكن هؤلاء صموا عنه فلم تُجْدِه نذوره.. ثم ما لبثت الأيام أن عملت عملها في إطفاء ذلك الشوق، حتى ألف وزوجته وضعهما ورضيا، بنصيبهما من قدر الله.. وبات عليهما أن يوجها كل همهما إلى العبادة التي لا عزاء مثلها في مثل وحشتهما تلك..
ولم تكن العبادة شيئا طارئا على أبي جميل - كشأن كثير من الناس - وبخاصة في أوساط أولئك الموظفين الذين تشغلهم دنياهم عن ربهم فلا يذكرونه إلا بعد التقاعد. وعندئذ يهبون المساجد بقية عمرهم.. كلا فقد كان صاحبنا قديم الاتصال بالصلاة غير قليل التردد على بيوت العبادة.. بل كان من أبناء (الطريقة) الذين لا يكتفون بالعبادة المكتوبة حتى يضيفوا إليها الأذكار التي يكفلهم بها المشايخ وقد بلغ من ورعه أنه لا يفارق (دلائل الخيرات) وورد (ابن سلطان) فهما رفيقاه أينما حل.. يراجع تلاوتهما كلما وجد إلى ذلك سبيلا!.. وقد أعطى القرآن من نفسه حظا أسبوعيا يعاوده صباح كل جمعة، حيث يتلو سورة الكهف عدة مرات..
وهو إنما انخرط في سلك الطريقة عملا بإشارة المرحوم والده الذي علمه منذ الطفولة أن لابد للإنسان من الشيخ فمن لا شيخ له فالشيطان شيخه!..