وطبيعي أن يفر من الشيطان ما وسعه الجهد.. ولم يكن في حاجة إلى طويل تردد في اختيار شيخه.. أنه ليس خيرا من جاره أبي سعيد، وخاله أبي فتوح.. للذين اتخذا من الشيخ (فويضل) إماما وقدوة.. فليسلك طريقهما هو وزوجته وشقيقته.. وهم مجموع الأسرة.. ومنذ ذلك اليوم بدأ تعلقه بالشيخ وأخذ نفسه بالتردد على دروسه وحضور حلقاته مساء كل اثنين وجمعة..
ومن قبل طالما سمع أخبار الشيخ (فويضل) على ألسنة دعاته، يعرضون على الناس كمالاته، ويقصون كراماته.. ولم يكن من أهل الشكوك ولله الحمد فلم يجد مانعا من تصديقهما؟ والتطوع بنقلها إلى من لم تبلغه. ولما باشر الاتصال بالشيخ كان على أتم الاستعداد للاندماج في جوه.. وهاهو ذا اليوم قد قطع شوطا بعيدا في تقاليد الطريق التي تفرض على المريد أن يكون أطوع للشيخ من بنائه، وأشد احتراما له من أبيه وأمه.. فهو إذا دخل عليه مجلسا دب على قوائمه حتى ينتهي إليه، فيقبل يديه وركبتيه، ثم يتراجع إلى الخلف حتى يأخذ مكانه في الحلقة. وإذا دخل الشيخ الجامع نهض له مع الجميع، ثم لا يقعد حنى يستقر في موضعه الذي يجب أن يظل محجوزا له إلى أن يحتله!!. وإذا جلس الشيخ للوعظ أطرق إلى الأرض في خشوع عميق مجاهدا نفسه لكي يجعل قلبه هو الذي يتلقى النفحات..
وكان ذوبانه السريع في هذا الجو جد الطبيعي، إذا وجد فيه متعة سرعان ما عوضته عن مشاغل العمل الذي فقده، وردت إليه ما حرمه من الأُنْس الذي كان ينعم به في ظل رؤسائه وزملائه أثناء عمله الماضي..