وكان في مبدأ الأمر يحاول أن يثبت نظره في وجه الشيخ طلبا للثواب الذي تقرره المحكمة المتداولة بين المريدين:(النظر إلى وجه الشيخ عبادة) .. فيجد في ذلك غبطة سعيدة لا يعرف لها مثيلا في غير هذا الموقف.. ولكن هيبة الشيخ صارت به أخيرا إلى الأعضاء، فيكتفي بإحضار الشيخ في قلبه وهو يردد ورده من الذكر أو يستمع إلى مواعظه الشافية!. وهو مع ذلك ينفذ بهذا تعاليم الشيخ الذي كثيرا ما سمعه يقول لمريديه:(من أول واجبات المريد أن يتصور شيخه في فؤاده كلما خلا إلى أوراده أو أصغى إلى إرشاده..) وقد مرن على ذلك حتى أصبح له عادة ثابتة.. يجلس بين الشيخ كاسر البصر ويكلمه إذا كلمه في هدوء وخفوت بالغين وهو كاسر البصر أيضا حتى إنه ليحاول تفسير ذلك لنفسه فلا يجد إلا هذه العبارة التي أصبحت من كلماته المألوفة: إن عيني لتعجزان عن مواجهة نور الشيخ! والحق أن في وجه الشيخ (فويضل) لسرا غريبا.. فهو منسجم التقاطيع إلى حد يمكن وصفه بالجمال وفي بشرته بياض نقي يأتلف مع تلك اللحية السوداء الأنيقة، التي توحي للناظر بإنه في أواسط العقد الرابع قمة الشباب. ولا شك أن لشكل عمته الملتفة في أنحناء لولبي حول تلك القلنسوة البيضاء الذاهبة إلى الأعلى على شكل صنوبري أثرا ما في ذلك الإيحاء الغامض الذي يستشعره الناظر إليه. بيد أن أكبر أسرار شخصيته كامن في عينيه.. إن لعينيه هاتين لشكلا خاصة ذا تأثير عميق.. فهما متوسطتا الفتحتين وبياضهما تمازجه حمرة من نوع يكاد يكون خاصا وفي سواد إنسانيهما تحدث دقيق يبعث إلى عين الرائي بإشعاع حاد أشبه بمحرق شديد التركيز.. وإذا نظرت إلى الشيخ كله وهو منتصب في جبنه القصيرة خيل إليك أنك تنظر إلى ممثل غير ناجح يعرض دور شيخ على المسرح!.