ومهما يكن فقد وجد أبو جميل في الشيخ فويضل ضالته التي لم يحلم بأسعد منها، وهو في ظله مطمئن الضمير يملؤه اليقين أنه قد استقر على الطريق الموصل إلى الله. ولم يكن هذا شعوره وحده فقط، بل إنه كذا شعور زوجنه وشقيقته اللتين سبقتاه مراحل في التسامي الروحي، فلم يشغلهما شاغل عن دروس الشيخ، ولا يصرفهما شيء عن حلقات الذكر التي يخصصها عادة للنساء..
ومن أجل هذا كان سرور الأسرة بالغا عندما جاء الشيخ يطلب يد فاطمة شقيقة أبي جميل لأخيه.. فقد اعتبر هذا الطلب منه لفتة كريمة.. ولم يكتم أبو جميل تقديره لهذه النعمة الإلهية, فراح يؤكد لزوجته وشقيقته.. أنها لفرصة ليس أسعد منها الزيادة القرب من سيدنا الشيخ!.
.. وكان أبو جميل يعالج في نفسه فكرة لم يستقر منها على وجه منذ عشاء أمس.. وذلك حين سمع الشيخ يحض على الإنفاق في سبيل الله.. ويذكر الناس أن أحب الصدقة عند الله ما يقدم عن طريق الشيخ.. وأن عليه تبعات كثيرة لا سيبل إلى النهوض بها إلا بمعونة المريدين.. ولقد رأى الكثيرين يستجيبون لهذه الدعوة فيقدمون تبرعاتهم السخية لأمين الشيخ، إلا هو فقد أخر تبرعه ريثما يقطع بالمبلغ الذي يجب أن يدفعه. أما الآن فقد اهتدى إلى أفضل الوجوه. أليست دنانيره المائتان ذخرا ليوم الحاجة!! وأي مكان أصلح للادخار من سبيل الله..
فليدفع بدنانيره جميعا إلى يد الشيخ الذي لا عمل له إلى القيام بحقوق الله.. وحسبه وزوجته ما يجري عليه من مرتبه التقاعدي الذي يربو على مائتي ليرة سورية.. وهو مبلغ يكفيهما ويزيد.. ما دامت فاطمة ستكون زوجة لشقيق الشيخ, تعيش في بحبوحة من البركة التي لا خير يضاهيها..
وما هو إلا أن أحرز موافقة زوجته وشقيقته على الأمر, حتى عمد إلى تنفيذه عملا بالحكمة المأثورة:(خير البر عاجله..)