وهكذا, وفي اليوم نفسه حقق أبو جميل رغبته الخيرة, فقدم إلى الشيخ مائتي ذهب, ليضعها حيث يشاء من وجوه الخير، وأبلغه موافقة شقيقته على أن تكون زوجة لأخيه.. بل خادما في المطبخ..
-٢-
كانت مباركة حقا تلك الصلة التي ربطت بين أسرتي الشيخ وأبي جميل عن طريق المصاهرة, إذ أتاحت للفريقين فرصا للتزاور لم تكن من قبل.. وقد تلطف الشيخ فأعطى فاطمة من قربه فوق المنتظر, فهو قلما ينقطع يوما واحدا عن زيارتها في بيت أخيه الذي قليلا ما يأوي إليه في أوقات متباعدة بسبب غيابه أكثر الأيام خارج المدينة.. وهذه دون ريب نعمة كبيرة من حق فاطمة التي يحسدها عليها الكثيرات من مريدات الشيخ.. وليس حظ أبي جميل وزوجته منها دون ذلك إذ أصبح يعيرهما من الاهتمام أضعاف ما ألفياه قبلا.. وقد خصص لزيارتهما حصة من يوم الجمعة الذي وقف زياراته على أولي الأرحام.. فهو بذلك يعتبرهما منهم وهذا ضرب من التكريم أكبر مما يستحقان.
على أن ثمة ظاهرة جعلت تقلق خاطر أبي جميل وزوجته وقد بدأت بعد أسابيع قليلة من زواج فاطمة.. هذه التي نشأت في حجرهما ومنحاها كل ما في قلبيهما من حنان الأبوة..
إنهما يألمان أشد الألم إذ يرينها فريسة لهزال شديد يكاد يذهب بكل نضارتها المعهودة! لقد نزلت دار الحاج سليم شقيق الشيخ وهي كالزهرة في ذروة التفتح فما تلمحها عين امرأة إلا ضربت أنفها إعحابا بجمالها, وراحت تعيذها من السوء بألف صلاة على النبي.. أما الآن فقد اعترى الزهرة ذبول مفاجئ أوشك أن يطفئ وهج الصبا في ذلك الجسد الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة إلا أياما قليلة!
ولم يكن يسيرا معرفة السبب في هذا التغيير السريع.. ذلك أن فاطمة تجاهلت ما يقولونه في هذا الصدد وحاولت التأكيد أنها غاية ما يرام في عشها الجديد!..