وكان على أم جميل أن تخلو بها تستكشف أمرها, لعل ثمة سببا نسويا تستطيع أن تعالجه أو ترشدها إلى علاجه.. ولكن عبثا, فلم تزد فاطمة على جوابها الأول شيئا!
وأخيرا كان التفسير الوحيد الذي استقرت عليه خواطر أبي جميل وزوجته في شأن فاطمة هو أنها تسرف على نفسها في التهجد وقيام الليل وفي الصوم.. وكل هذا من شأنه أن يصير بصاحبه إلى مثل هذا الشحوب.. لذلك جعلا يذكرانها بما يجب على المرأة في حق زوجها من حيث العمل بمرضاته, فلا تأتي من نوافل العبادات إلا ما يوافقه عليه. ولا شك أن المجاهدة إلى هذا الحد ضارة بجسدها الذي لا يجوز لها أن تفرط به, إلا في الحدود التي لا تزعج نظر الزوج..
وكانا يحسبان أن الأمر سينتهي بمجرد هذا التذكير.. ولذلك تضاعف قلقهما إذا استمرت صحة فاطمة بالتدهور, وبدا عليها بعد أيام وجوم صرفها إلى صمت طويل, لا تكاد تخرج عنه إلا لضرورة قصوى!..
وكان هذا كافيا لحمل أخيها وزوجته على الإلحاح في استكشاف أمرها، إلحاحا لم تستطع المقاومة له فإذا هي تنفجر بالبكاء ثم تقول في صوت مرتجف:"إنني سأموت قريبا إذا ظللت في هذا البيت! "على أن هذه الكلمة لم تزد الأمر إلا تعمية.. فزادها استيضاحا واستمر في إلحاحهما، فلم تتمالك أن تقول في شبه ذهول:"إنه الشيخ..يراودني على نفسي..! "
وفرك أبو جميل عينيه ومسح جبهته، بينما كانت امرأته فخذيها بقوة، وخرج صوتهما معا يرددان: الشيخ!! الشيخ..
وأتم أبو جميل عبارته: هذا مستحيل.. مستحيل يا فاطمة
واستأنفت زوجته تقول: لا بد أنك رأيت هذا في الحلم!..
ولكن فاطمة لم تعد تطيق هذا التردد فأجابت في إصرار وهي تشد على كل حرف:"بل يقظة.. لقد بدأ يعبث بصدري يزعم رقيتي.. فتمالكت وأحست به الظن.. حتى راح يسمعني من الكلام ما يزلزل الأرض.. ولا يزال حتى اليوم يحاول محاولته القذرة!.."