للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رضوا بهذه الحال المهينة، وهذه الصفة الوضيعة، رضوا بالذبذبة والإضطراب بين حزب المؤمنين، وحزب الكافرين، ليسوا مع أحد الفريقين ظاهراً وباطناً، قال تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} أي متحيرين بين الإيمان والكفر فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً، ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين، فلا يستقر لهم حال، أعاذنا الله من النفاق. وقد روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:"مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا تدري أيهما تتبع " والعائرة المترددة من عارت الشاة بين الفحلين إذا ترددت لا تدري أيهما ينزو عليها، وروى الإمام أحمد بعض لفظه ومعناه من حديث ابن عمر، وما دفعهم إلى هذا الطريق المظلم، وهذا المسلك الوضيع إلا مصلحتهم الذاتية ومآربهم الدنية، ومرض قلوبهم فكروا وقدروا أنهم إن اتبعوا داعي الإيمان ظاهراً وباطناً فقد يكون حظه الفشل والخذلان، وإن اتبعوا أعداء الإسلام ظاهراً وباطناً فقد تكون العاقبة لأهل الإيمان، فاتخذوا صفة المراوغة والمخاتلة والغدر والدس، شأن النفس الضعيفة الحقيرة قال تعالى: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا} أي انتهكوا في الفتنة والضلالة وأوغلوا فيها، ويقول تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقوله تعالى: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} أي توليناكم