لكن الذي تجدر الإشارة إليه هنا أن هؤلاء وأمثالهم بلغوا هذا المستوى من الرفعة والكمال وهم يعيشون حياة الناس، ومشاكل الناس، ولم يكونوا يعيشون في أبراج عاجية بعيداً عن ظروف المجتمع. وواقع الجماهير..
إنهم لم يكونوا يعيشون في أديرة أو صوامع، ولم يحرموا على أنفسهم حلالاً، وإنما كانوا يحبون مشاكل أممهم الاجتماعية والسياسية والحربية.. وغيرها بالإضافة إلى نشاطهم في العبادة والقربات، وكان ارتفاعهم إلى تلك القمم السامية بالإرادة الإيمانية، والقلب الواعي المستنير.. ولا يزال الطريق الذي سلكوه، والمنهج الذي باشروه هو هو.. يهيب بطلاب الكمال أن يتقدموا..
وبعد أن طوفنا بك في عالم المثل القائمة على أساس من الواقع الحي لا الخيال المعدوم نعرض عليك الآن مظاهر ودلائل لواقعية الإسلام في عباداته وأخلاقه وشرائعه، مما يزيدك بياناً بعظمة هذا الدين، الذي لم يشتط مع الخيال، ولم يضيق على الناس واسعاً، فيجنح بهم إلى مثالية مفرطة، كما أنه لم يمل بهم إلى واقعية مفرِّطة تبعد الناس عن المثل العليا وتهونها في نفوسهم، وإنما يرسم من المثالية ما يرتفع بالبشر إلى آفاق مشرقة رحيبة تحف بها ملائكة الخير، وتقترب بهم إلى النور العلوي المقدس، وفي الوقت نفسه تأخذ من الواقعية ما تتضمنه من عزم وعدل وحزم مما يكون الذاتية الإسلامية المتميزة، وبذلك تسير الدعوة في خط متوازن لا إفراط فيه ولا تفريط، ولكن عدل واتزان، وحكمة وإتقان..
فمع شواهد الواقعية والله المستعان..
أولاً: في العبادات:
نظراً لظروف الإنسان وكثرة أعبائه في الحياة وما يتطلبه ذلك من السعي لطلب المعيشة والضرب هنا وهناك لرعاية مصالحه وتدبير شئونه..
ونظراً لما يتعرض له الشخص في حياته من مرض وملل، ومن ظروف طارئة وسفر فإن الشريعة راعت في شئون العبادة ما يأتي: