وعثمان بن عفان يرى المسلمين وقد انقطعت مواردهم في أيام أبي بكر ووقعوا في ضائقة اقتصادية شديدة، ثم تجيئه العير محملة ببضائع كان استوردها من الشام فيسرع إليه التجار في المدينة يريدون أن يستغلوا ساعة العسرة، فيتقدمون إليه بعرض سخي أن يربحوه في الدرهم درهمين، فيردهم عثمان قائلاً:" أعطيت أكثر من ذلك، فيعرضون ثلاثة فيقول أعطيت أكثر من ذلك، فيعرضون أربعة دراهم ثم خمسة وهو يردهم في كل مرة، فقالوا: يا أبا حفص، ما سبقنا إليك أحد، نحن كل تجار المدينة، فيقول إن الله أعطاني عشرة أمثالها، ثم يقسم لأتركنها خالصة للمسلمين يرد بها عنهم غائلة الحاجة "..
ماذا كان على عثمان رضي الله عنه وهو يريد البر بالمسلمين أن يأخذ على الأقل ثمن بضاعته ويكون في ذلك نبيلاً مشكور النبل.. ولكنه مثل يفرضه على نفسه، ويتطوع لتحقيقه [١٤] .
-
وعلي بن أبي طالب يمكنه الله من أحد أعدائه في إحدى المواقع، حتى ليجلس على صدره ويأخذ بسيفه، وفجأة ينهض عنه، ويتركه طليقاً، ويعجب رجل من المسلمين كان يراقب الحادث، ويسأله لم تركت عدو الله، وقد أمكنك الله منه؟ فيقول:"حين هممت أن أجتز رأسه بصق في وجهي، فخشيت إن أنا فعلت أن أكون قد قتلته غضباً لنفسي لا لله "..
ماذا كان يفرض على علي هذا التصرف النبيل، الذي يقرب من الأساطير، إن هذا العدو كان حرياً أن يعود فيقتله، وعلي يعلم ذلك دون شك.. ولكنها المثالية السامية والنظافة الكاملة داخل هذا الضمير [١٥] .
وغير هؤلاء كثير وكثير.. وعلى امتداد التاريخ الإسلامي تجد هذه الكواكب الدرية تلمع في الآفاق وتسطع بنورها على دنيا الناس لتثبت لهم أن الإسلام قادر بمنهجه الفذ وتعاليمه العالية أن يوجد ملائكة تمشي على الأرض وتنشر الرحمة والعدل على العالمين..