هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يتولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم للولاية من مسئوليات جمة، ومشاكل مشغلة، لكن الرجل الكبير، صاحب القلب الكبير.. لا تشغله هذه المسئوليات عن خدمة نسوة الحي العجائز، فلما ولي الخلافة، قالت بنات الحي، لا يحلب لنا أبو بكر منائح دارنا، فبلغ ذلك أبا بكر الصديق، فقال:"بلى والله لأحلبنها لكم "فكان يحلبها كل يوم، ويسأل المرأة:"أأرغي، أم أصرح "أي أجعل الحلاب له رغوة، أم صافياً بدون رغوة، فأي ذلك قالته فعل [١١] .
-
وعمر بن الخطاب.. الذي تأخذ على الإنسان جوانب العظمة فيه فلا يدري بأيها يأخذ وأيها يدع.. لكننا رغبة في الإيجاز نكتفي بمثال..
روى ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب عن أنس قال:" كانت بطن عمر تقرقر عام الرماد من أكل الزيت، وكان قد حرم على نفسه السمن، قال: فكان ينقر بطنه بأصبعه ويقول قرقري أو لا تقرقري فوالله لا تأكلي السمن حتى يأكله الناس "[١٢] .
فانظر كيف يحس الحاكم بمشاكل شعبه، ولا يتميز عليهم في طعام أو لباس، وهو الذي لو شاء أن يتوسع فهو القائل:"والله إني لو شئت كنت من ألينكم طعاماً وأرقكم عيشاً، ولكني سمعت الله تعالى عير قوماً بأمر فعلوه فقال:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}[١٣] .