وبعيداً عن مغالاة المتشددين الذين يحاولون كبت هذا الهاجس الجنسي وقسره على عكس ما تأباه طباعه، كما تفعل البرهمية الهندية والرهبانية المسيحية.
ب- وما يفعله الإسلام بالنسبة لشهوة الجسد من حيث الإعتراف بها، تنظيم طريقة التنفيس عنها في طريق مشروع حلال..
يفعله كذلك بالنسبة لغريزة حب المال.. التي يعتبرها أمراً مفطوراً في النفس كذلك {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً}[٣٧]{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[٣٨] ..
ومن ثم اعترف الإسلام بالملكية الفردية.. فذلك له أثره في الإبتكار والإختراع وترقية الحياة..
لكنه في الوقت نفسه لم يدع الأمر على إطلاقه فيتحول إلى رأسمالية طاغية وإنما وضع حدوداً وقيوداً على رأس المال وعلى الربح.. منها: الإرث، الزكاة، تحريم الربا، والإحتكار، وكل مصدر خبيث للربح.. وذلك من شأنه أن يفتت الثروة بين أكبر قدر من الأهل والمجتمع، ويخلق نوعاً من التكافل بين الناس..
وبعد. . فلعلك أدركت الآن معنى الواقعية في حياة هذا الدين، وأنها مطابقة منهج الإسلام لواقع الإنسان وظروفه الحقيقية المحيطة به في هذا الكون، لأن كليهما – المنهج والإنسان – صادر عن الله عز وجل، الإنسان خلقُ الله، والمنهج شرعُ الله ولا يمكن أن يتناقض شرع الله مع واقع خلق الله.
ولذلك فإن هذا المنهج الذي رسمه الله للحياة على ما فيه من سمو وارتقاء ومثالية هو في الوقت نفسه متوافق تماماً مع طاقات الإنسان الواقعية، ملتحم مع فطرته البشرية ونظام حياته، لأنه تشريع العليم الذي لا يجهل، والحليم الذي لا يعجل والحي الذي لا يموت، والخبير بشئون النفس الإنسانية ودخائلها ولا يغيب عنه سبحانه شيء من أحوالها وخباياها، مهما دق أو صغر، أو غاب أو حضر، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[٣٩] .