وعن استعداد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الروحي لتلقى الوحي نقول: إن النبي الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم كان قبل إنبائه وبعثته آية في النظافة والطهر، نظافة العرق وأصالته وطهارة الروح وسلامته، لقد اتصلت ارومته بأصل جماله وكماله إبراهيم، والذي كان محمد صلى الله عليه وسلم أشبه الناس به كما أخبر بذلك عن نفسه، وانحدر سلسبيل النقاء في أصلاب الآباء حتى انتهى إلى قرار مكين فنبع منه محمد خير الناس أجمعين. هكذا كانت نظافة العرق الكريم والنسب الشريف. وأما طهارة الروح وسلامته فحسبنا أن نلقي نظرة على ربيع حياته، فتتجلى لنا من معاني الطهر آياته، وتفصح لنا عن سلامة روحه السنة عداته.
لقد كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نبوته في شبابه وفتوته يتمتع بأفضل الأخلاق وأطيب الشمائل فلم يؤثر عنه ما يخل بمكارم الأخلاق قط. إنه لم يأت ولا مرة واحدة ما كان يأتيه بنو قومه أبدا. فلم يسجد لصنم، ولم يشرب خمرا ولم يلعب قمارا ولا ميسرا، ولم يستقسم بزلم ولم يظلم في عرض أو مال أو دم أحدا. لقد كان بشهادة أعدائه وخصوم دعوته مثاليا في أخلاقه وناهيك بإجماع قريش على إضفاء لقب الأمين عليه. هذا اللقب الذي لم يظفر به أحد في ديارها وبين شبابها ورجالها أبدا، لقد كان - فداه أبي وأمي ونفسي وإني لصادق- كان أمينا في سره وفي علنه، وفي قوله وفي عمله، أمينا في غيبه وفي مشهده، أمينا في كل شيء وعلى كل شيء.
وإذا كانت قريش قد أجمعت على منحه ذلك اللقب السامي الكريم وهو لقب الأمين فإن الله تعالى قد أقسم له في مطلع نبوته على أنه على خلق عظيم وهي شهادة لا تعدلها والله شهادة إذ قال تعالى في فاتحة سورة القلم:{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .