ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن الجراح، ثم الأرقم بن أبي الأرقم، الذي اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من داره مركزا للدعوة يعلم فيها من آمن من أصحابه ويصلي بهم طيلة ما كانت الدعوة سرا بمكة وبين قريش، وأسلم في هذه الفترة من النساء غير خديجة أسماء بنت عمير امرأة جعفر بن أبي طالب، وأمها هند بنت عوف بن الحارث أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وأخت لبابة أم الفضل امرأة العباس. وهي والدة عبد الله بن جعفر جواد العرب في الإسلام وتزوجها أبو بكر الصديق بعد استشهاد جعفر بموته فولدت له محمدا، وتزوجها بعد وفاة أبي بكر علي رضي الله عنه فولدت له يحي، فما أكثر بركة هذه المؤمنة، وما أعظم يمنها رضي الله عنها وأرضاها.
واستمرت الدعوة سرا زهاء ثلاث سنوات فأنزل الله تبارك وتعالى قوله:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} .
الدعوة جهراً:
امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه فجهر بدعوته التي كانت سرا، ولما رأت قريش ذلك لا سيما بعد أن ذكر آلهتهم وعابها ناصبته العداء، وأجمعت على خلافه وعداوته ووقف أبو طالب إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يذود عنه ويحميه، حتى اضطرت قريش إلى إرسال وفدها يفاوض أبا طالب في شأن رسول الله، ويطلب منه أن يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تسفيه أحلامهم، وسب آلهتهم، وعيب دينهم، أو يخلي بينهم وبينه لينالوا منه. وعرض أبو طالب وجهة نظر وفد قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم:"والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته". واستعبر رسول الله فبكى ثم قام فناداه أبو طالب، فقال:"اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا".