ولما علمت قريش بعدم خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشت إلى أبي طالب تساومه في الموضوع فقدمت له شابا هو أنهد فتى في قريش وأجمله، وقالت:"خذ هذا بدل ابن أخيك فاتخذه ولدا واسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل"، فرد أبو طالب قائلا:"والله لبئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه، هذا والله ما لا يكون".
ولما بلغ الأمر هذا الحد، أظهرت قريش عداءها السافر، وأخذت تشن حربا ضروسا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وقد كثر عدد هم وتزايد أمرهم فأغرت برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءها فكذبوه وأذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به، مبادلهم بما يكرهون من عيب دينهم، واعتزال أوثانهم. وحدث أن نال أبو جهل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت حين كان أبو جهل يسب ويشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة لعبد الله بن جدعان تسمع، فلما جاء حمزة وكان في قنص أخبرته بما صنع أبو جهل إزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل حمزة الغضب، وطلب أبا جهل حتى وجده فضربه ضربة عنيفة فشج رأسه وقال له:"أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول"ولما رأت قريش أن حمزة قد أسلم علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه صلى الله عليه وسلم.