وكان أول من جهر بالقرآن وأسمعه قريشا عبد الله بن مسعود حيث اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وقالوا:"والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه" فقال عبد الله: "أنا". فأبوا عليه ذلك غير أنه أبى إلا أن يكون هو فذهب في ضحى النهار إلى المسجد فوقف عند المقام، وقريش في أنديتها حول المسجد وقرأ بأعلى صوته: بسم الله الرحمن الرحيم {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ، ولما سمعت قريش قراءته تأملوها، وجعلوا يقولون:"ماذا قال ابن أم عبد؟ "ثم قالوا: "إنه يتلو بعض ما جاء به محمد". فقاموا إليه فجعلوا يضربونه في وجهه، ولما عاد عبد الله وأثر الضرب في وجهه قال له أصاحبه:"هذا الذي خشيناه عليك". فقال:"ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لاغادينهم بمثلها غدا". قالوا:"لا، قد أسمعتهم ما يكرهون" ولما عز المسلمون بإسلام حمزة رضي الله عنه وعظم أمرهم وكثر عددهم كسرت قريش عن نابها وضاعفت من أذاها للمؤمنين الذين ليس لهم مناعة من قومهم. ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عرض على المستضعفين الهجرة إلى الحبشة، فقال لهم:"لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم مخرجا مما أنتم فيه"، فخرج عند ذلك المسلمون إلى أرض الحبشة [٤] .