وكان الجو في هذا اليوم صحوا، وكنت أنظر من النافذة إلى الأرض لأتمتع بالمناظر الطبيعية، فكنت تارة أرى الصحاري الغبراء وتارة ماء البحر، وأخرى التواءات نهر جار، ومرة خضرة غابات أو بساتين، وأخرى بعض السحب المتراكمة أو المتفرقة، كما كنت أرى بعض المدن ذات التخطيط الجميل والشوارع المستقيمة، وهكذا مرت الساعات الست وأنا لا أشعر بأني مسافر لما كنت أتمتع به من جمال خلق الله.
ولكن مضيفي الطائرة عكروا علي ذلك الجو الممتع عندما أخذوا يغلقون النوافذ وطلبوا مني إغلاق نافذتي التي كنت أطل منها على خلق الله لماذا؟ لأن فيلما سينمائيا سيعرض ليشاهده الركاب ويستمتعوا به ألا ما أحقره من فيلم وإنه لاستبدال الذي هو أدنى بالذي هو أعلى.
ولقد تحملت مشقة فراق ذلك الأعلى دون أن أحفل بالأدنى وكنت أختلس رفع غطاء النافذة بين حين وآخر لألمح شيئا من ذلك الجمال وكان الفيلم ثقيل الظل علي، لأني أريد أن أفتح النافذة بمجرد انتهائه.
وبالقرب من مضيق دوفر انتهى الفيلم فرفعت ستارة النافذة لأرى مضيق سباق السباحة.
وعندما قطعنا المضيق حال السحاب بيننا وبين الأرض فما كنت أرى منها قطعة إلا ليغطي السحاب أختها، ولي مع السحاب حوار، سيأتي عندما تعبر بنا الطائرة فوق المحيط الهادي، في رحلتنا من لوس انجلوس إلى طوكيو. وهبطت بنا الطائرة في مطار لندن عاصمة الدولة العجوز التي لم تكن الشمس تغيب عنها.