ولوط - عليه السلام- لما رأى أن النار لم تحرق عمه إبراهيم، وأنه خرج منها كأنه لم يدخلها آمن لإبراهيم، وصدقه فيما جاء به، وخرج معه مهاجرا {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[١٥] .
وموسى يتآمر عليه فرعون، ويضايقه في دينه، فيأمره الله أن يترك هذا البلد الذي لم يستطيع فيه تبليغ دعوته، وأن يهاجر بقومه إلى حيث يمكنه عبادة ربه وأداء رسالته، قال تعالى:{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ}[١٦] .
لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أول من هاجر من الرسل، بل سبقه بالهجرة رسل كرام على الله، خرجوا بدينهم امتثالا لأمر الله - عز وجل- فسنوا بذلك الهجرة لمن أتى بعدهم من النبيين والمصلحين حتى لا يعتذر معتذر ببغي الباغين واضطهاد الظالمين، أو يقول قائل: كنت في أرض يسيطر عليها الطغاة ولم يسمحوا لنا بنشر الدعوة ولا بقول كلمة الحق، وحينئذ يكون السؤال {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا؟}[١٧] .
فماذا تكون الإجابة؟؟
ولقد ثبت بالتجربة أن الهجرة من أنجح الوسائل لنشر الدعوة، وأن الدعاة إلى الله متى ما هاجروا بدينهم مخلصين لله هجرتهم، لا يبغون من ورائها إلا إرضاء الله تبارك وتعالى يجري الله على أيديهم، فتنفتح لهم القلوب، ويجتمع عليهم الناس. فيؤازرون دعوتهم وينشرون عقيدتهم، ويوسع الله لهم في أرزاقهم، ويسبغ عليهم نعمته. {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأََرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}[١٨] .