هذا هو السبب الحقيقي لتآمر قومه به، وثورتهم عليه، إنه جاءهم بالحق، ولكنهم يكرهون الحق الذي جاء به، وإنه ليدلهم على طريق الخلاص، ولكنهم يتمنون أن يمطروا بحجارة من السماء ولا تكون نجاتهم على يديه، لقد أعماهم الحقد، وغشي أبصارهم الحسد. ولم يعد يدور بخلدهم إلا التفكير في التخلص من محمد وما جاء به - صلى الله عليه وسلم-
المؤامرة:
ضاق القوم ذرعا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ووجدوا أنفسهم قد فشلوا في كل محاولاتهم، فشلت وسائل التعذيب والإرهاب، كما فشلت أساليب الخداع والإغراء، كذلكَ باءت حرب الإشاعات بخيبة الأمل.
ورأى المشركون بأعينهم انتشار الإسلام في كل مكان، وعلموا بما تم بين الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأهل المدينة من البيعة على النصرة والإيمان، فأزعجتهم تلك الأخبار، وأقلق نفوسهم ما يتوقعون من انتصار التوحيد على الوثنية التي استماتوا في الدفاع عنها، وحز في نفوسهم أن يتغلب محمد - صلى الله عليه وسلم - عليهم بعد هذا العناد الطويل.
تواعد القوم أن يلتقوا في دار الندوة، وأن يطرحوا هذا الموضوع الذي شغل بالهم على بساط البحث، وعزموا على أن يتخذوا فيه قرارا حاسما مهما كلفهم ذلك.
لقد ماتت خديجة التي كانت تقف دونه بمنزلتها ومن يؤازرها من عشيرتها، ومات أبو طالب الذي كان يفديه ويدافع عنه، لم يعد هناك ما يحول بينهم وبين الإيقاع به فلماذا يترددون؟
وبدأت الجلسة بحماس لم تعرفه دار الندوة من قبل، إن المسألة في نظرهم مسألة كرامة، لقد سفه محمد عقولهم، وعاب آلهتهم، وعرض بآبائهم فماذا بقي لهم؟، إنهم إن لم ينتصروا لآلهتهم المهانة وعقولهم المسفهة وآبائهم المجرحين فلا خير في العيش، ولا فائدة في الحياة.
قال أحدهم في انفعال شديد:"أرى أن تحبسوا محمدا في الحديد، وتغلقوا عليه بابا، ثم تتربصوا به ما أصاب الشعراء من أشباهه".